أكد فشل سكولاري مع البرازيل في المونديال الحالي ظاهرة غريبة، ألا وهي أن جميع المدربين الذين قادوا منتخباتهم للفوز بكأس العالم فشلوا فشلاً ذريعاً إذا ما تجرأوا وخاضوا معترك المونديال من جديد.
أحمد النفيلي
تميز مونديال البرازيل، الذي تختتم فعالياته غداً بالمباراة النهائية بين ألمانيا والأرجنتين على ملعب ماراكانا في مدينة ريو دي جانيرو، بالعديد من الظواهر المثيرة والغريبة، بدأت بالسقوط المدوّي للمنتخب الإسباني الذي حقق أسوأ انطلاقة لحامل اللقب على مدار تاريخ المونديال، مروراً بنسبة التهديف المرتفعة خاصة في الدور الأول الذي اقترب متوسط التهديف خلاله من ثلاثة أهداف في المباراة الواحدة، ووصولاً إلى الانهيار الكبير للبرازيل وسقوطها أمام الماكينات الألمانية بسبعة أهداف مقابل هدف، ليسجل السليسون أسوأ نتيجة في تاريخه منذ 96 عاماً وتحقق ألمانيا في الوقت ذاته أكبر نتيجة في نصف نهائي كأس العالم منذ أن انطلقت نسخته الأولى في الأوروغواي عام 1930.
وأكدت الهزيمة المدوية للبرازيل أمام ألمانيا على ظاهرة غريبة أخرى ارتبطت بالمدربين الذين توجوا من قبل بلقب المونديال، ألا وهي أن جميع المدربين الذين قادوا منتخباتهم للفوز بكأس العالم فشلوا فشلاً ذريعاً إذا ما تجرأوا وخاضوا معترك المونديال من جديد، ظاهرة لم يلتفت إليها الكثيرون، ربما في مقدمتهم هؤلاء المدربون أنفسهم، إلا أنها تأكدت وبشكل لا يدع أي مجال للشك عقب الفشل الذريع الذي لحق باثنين من كبار المدربين في العالم حالياً، المتوجين مع منتخبي بلديهما بلقب المونديال في السابق، أولهما هو فينسينت ديل بوسكي، الذي قاد منتخب بلاده إسبانيا للفوز بكأس العالم 2010 ثم واصل تألقه وحقق إنجازاً تاريخياً مع "لاروخا" عندما أحرز لقب كأس أمم أوروبا عام 2012، إلا أنه وللغرابة فقد سقط سقوطاً مروعاً مع المنتخب الإسباني ذاته عندما قاده للخروج الحزين من الدور الأول في المونديال الحالي، بعد تلقي الفريق خسارتين مدويتين أمام هولندا 1-5 ثم أمام تشيلي 0-2.
الأمر ذاته ينطبق على البرازيلي المحنك لويس فيليبي سكولاري، فالرجل يصنف على أنه أحد أبرز المدربين في العالم وليس البرازيل فقط، ذاع صيته واشتهر وأصبح من مدربي الصف الأول عندما قاد راقصي السامبا للفوز بكأس العالم عام 2002 في كوريا واليابان عقب التغلب على ألمانيا ذاتها في المباراة النهائية بهدفين دون رد.
بعد ذلك عرف سكولاري طريقه إلى التألق وأصبح من أبرز المدربين التي تخطب ودهم أكبر الأندية الأوروبية والمنتخبات، فتولى تدريب المنتخب البرتغالي، وقاده إلى المباراة النهائية في كأس الأمم الأوروبية عام 2004، ثم إلى نصف نهائي كأس العالم عام 2006 ثم تولى تدريب تشيلسي الإنكليزي وأعقبه بقيادة بونيوديكور، الذي توج معه بلقب الدوري الأوزبكي قبل أن يتوجه إلى مسقط رأسه البرازيل، حيث تولى تدريب بالميراس وحصل مع الفريق على كأس البرازيل عام 2012 وبدا الرجل في عيون الشعب البرازيلي بأكمله، البطل الذي سينقذ السليسون من عثرته عقب الخروج المهين من ربع نهائي كوبا أميركا عام 2011 فحل بديلاً لمانو مينيزيس وبالفعل لم يخيب الرجل الآمال المعقودة عليه فقاد منتخب بلاده باقتدار وثقة للتتويج بلقب كأس القارات عام 2013، بعد أن حقق نتائج مبهرة مثل الفوز على إيطاليا 4-2 في نصف النهائي ثم سحق إسبانيا في النهائي بثلاثية نظيفة ليستبشر الجميع في البرازيل خيراً ويدركون أن الرجل هو الوحيد القادر على أن يحرز اللقب السادس في المونديال، وهو الأمل في أن يتزين قميص المنتخب البرازيلي بنجمته السادسة.
وعلى عكس المتوقع تماماً فشل الرجل فشلاً ذريعاً في المونديال الحالي، حتى قبل السقوط التاريخي أمام الماكينات الألمانية، فالبداية من الأساس لم تكن مقنعة بفوز شابه المجاملات التحكيمية على كرواتيا في المباراة الافتتاحية لدرجة أن حكم اللقاء الياباني نيشيمورا لم يحكم أي مباراة في المونديال بعد ذلك، ثم كان التعادل السلبي مع المكسيك، قبل أن يحقق المنتخب البرازيلي أكبر نتيجة له في البطولة بالفوز على الكاميرون 4-1 إلا أن المثير والمضحك أن المنتخب الكاميروني أضعف فرق البطولة سجل هدفه الوحيد في المونديال في هذا اللقاء، أما في ثمن النهائي فقد نجا البرازيليون بمعجزة من هزيمة محققة أمام تشيلي وتأهلوا بركلات الجزاء، ثم فاز بصعوبة بالغة على كولومبيا، مسيرة صعبة وأداء باهت جعلت خبراء ومحللي كرة القدم يصفون الجيل الحالي للمنتخب البرازيلي بأنه الأضعف منذ عام 1974.
وجاءت نكسة نصف النهائي، لتؤكد أن سكولاري يخوض البطولة الأسوأ في مسيرته، وأنه بالفعل أصابته لعنة غريبة تضرب كل مدرب يحرز المونديال ثم يتجرأ على أن يخوض معتركه مرة أخرى.
شون من البطولة إلى الفشل
يعد المدرب الراحل هيلموت شون، الذي قاد منتخب بلاده ألمانيا الغربية للفوز بلقب كأس العالم عام 1974، هو أول ضحايا تلك الظاهرة الغريبة، فالرجل الذي ولد في الخامس عشر من أيلول/سبتمبر عام 1915 وتوفي في 23 من شباط/فبراير عام 1996، عرف كبطل شعبي في بلاده عندما قاد منتخب ألمانيا الغربية للفوز بكأس أمم أوروبا عام 1972 ثم أحرز لقب كأس العالم عام 1974 بالفوز على هولندا في المباراة النهائية 2-1، إلا أنه عقب ذلك فشل مع المنتخب الألماني بشكل غريب في مونديال 1978 في الأرجنتين، الذي بدا خلاله المنتخب الألماني مرتبكاً فجاءت عروضه مهزوزة وبعيدة تماماً عن التألق الذي أصابه من قبل.
في مونديال 1978 حل فريق المدرب شون ثانياً في المجموعة الثانية خلف بولندا فتأهل للدور الثاني الذي كان يقام بنظام المجموعات وجاءت نتائج الماكينات باهتة في هذا الدور فتعادل حامل اللقب مع إيطاليا بدون أهداف ثم مع هولندا 2-2 قبل أن يسقط أمام جارته النمسا 2-3، ويودع البطولة من الباب الضيق.
مينوتي وكابوس 1982
سيزار لويس ميونتي أحد أبرز المدربين في تاريخ الأرجنتين، الذي سطر إنجازاً كبيراً في مونديال 1978، عندما قاد راقصي التانغو للفوز بكأس العالم لأوّل مرة في تاريخهم، عقب أن أمتع العالم بأداء مبهر توّجه بإحراز لقب المونديال بعد الفوز على هولندا في المباراة النهائية بثلاثة أهداف مقابل هدف.
مسيرة مينوتي مع المنتخب الأرجنتيني كانت رائعة في تلك البطولة؛ فالفريق أحرز اللقب دون أن يلقى أي هزيمة، وحصل حارس مرماه أوبالدو فيلول على لقب أفضل حارس، كما استحوذ مهاجم الأرجنتين وهدافها ماريو كيمبس على لقب الهداف برصيد ستة أهداف إضافة إلى الفوز بلقب أفضل لاعب في البطولة، أي أن مينوتي قدّم مع كتيبته بطولة أرجنتينية خالصة، إلا أنه لم يختتم مسيرته مع الفريق عقب هذه الإنجازات التاريخية بل غامر الرجل وقرر مواصلة المسيرة وقيادة الفريق في مونديال إسبانيا عام 1982، إلا أنه كان قراراً غير صائب بالمرة، فالفرحة المدوية لمينوتي في بيونيس أيرس عام 1978 تحول إلى كابوس مؤلم في إسبانيا بعدها بأربع سنوات.
على الرغم من أن مينوتي قرر تدعيم كتيبته باستدعاء النجم اليافع دييغو أرماندو مارادونا، الذي كان يبلغ من العمر 21 عاماً وقتها، إلا أن المنتخب الأرجنتيني خاض بطولة سيئة بكل المقاييس فسقط في مباراة الافتتاح أمام بلجيكا بهدف نظيف وتأهل الفريق إلى الدور الثاني محتلاً المركز الثاني في المجموعة الثالثة برصيد 4 نقاط، فلعب في الدور الثاني، الذي كان يقام بنظام المجموعات، في المجموعة الثالثة بجانب البرازيل وإيطاليا، وخسر الأرجنتينيون وقتها مباراتي الدور الثاني أمام إيطاليا 1-2 ثم من البرازيل 1-3 في مباراة شهدت طرد مارادونا في الدقيقة 85، فخرج حامل اللقب من الباب الضيق، وشوّه مينوتي إنجاز فوزه مع الفريق بلقب 1978.
بيريرا .. لقب مع البرازيل وفشل مع السعودية
من أبرز المدربين الذين فشلوا في الحفاظ على بريقهم من خلال الوجود للمرة الثانية في المونديال، البرازيلي كارلوس ألبيرتو بيريرا، الذي أعاد البرازيل إلى منصات التتويج بعد غياب 24 عاماً، عندما فاز مع بلاده بكأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة، وهو اللقب الرابع خلال مسيرة البرازيل المونديالية.
أعاد بيريرا البريق إلى السليسون البرازيلي مرة أخرى بعد الفشل الذريع الذي أصاب حملة الفريق في مونديال 1990، عندما خرج الفريق من ثمن النهائي تحت قيادة المدرب سيباستياو لازاروني، فقدم للعالم كتيبة من أمهر اللاعبين في مقدمتهم الثنائي الهجومي روماريو وبيبيتو ومعهما راي العقل المفكر للفريق وقلبه النابض إضافة إلى عدد من أبرز اللاعبين مثل كافو وليوناردو وماورو سيلفا ودونغا، وأحرزت هذه المجموعة اللقب عقب الفوز على إيطاليا بركلات الترجيح في النهائي.
رحل بيريرا عن تدريب البرازيل إلا أنه حضر في كأس العالم للمرة الثانية على التوالي، عندما تولى تدريب السعودية في مونديال 1998 فالأخضر السعودي الذي دخل مونديال فرنسا محملاً بذكريات خالدة وسمعة عالمية اكتسبها جراء تألقه في مونديال 1994 عندما تأهل للدور ثمن النهائي في أول مشاركه له في المونديال، فشل تحت قيادة بيريرا هذه المرة في تخطي عقبة الدور الأول، عندما تذيل المجموعة الثالثة برصيد نقطة واحدة فقط بعد هزيمتين من الدنمارك 0-1 ومن فرنسا 0-4 ثم تعادل يتيم مع جنوب أفريقيا 2-2.
المثير أن الوجود الثالث لبيريرا في المونديال أصابه الفشل الذريع، إذ أنه تولى تدريب جنوب أفريقيا الدولة المنظمة لكأس العالم الماضية، وكرّر الرجل فشله فخرج منتخب الأولاد من الدور الأول ليصبح أول منتخب في تاريخ كأس العالم ينظم البطولة ويفشل في تخطي عقبة دور المجموعات.
الطريف أن بيريرا أصبح يبدو وكأنه تميمة فشل كبرى للفرق التي يوجد معها في المونديال، إذ أنه يتولى منصب مساعد سكولاري حالياً.
ليبي من القمّة إلى القاع
يرجع كل مَن تابع فوز إيطاليا بمونديال 2006 إلى حنكة وذكاء المدرب الكبير مارشيلو ليبي، الذي نجح في صناعة "توليفية" رائعة قادت الأزوري لرابع ألقابه في كأس العالم عقب التغلب على فرنسا في المباراة النهائية بركلات الترجيح.
قدم ليبي مع المنتخب الإيطالي مونديالاً شديد التميز، فتصدر الأزوري مجموعته في الدور الأول، التي ضمت معه جمهورية التشيك وأميركا وغانا قبل أن يتجاوز عقبة أستراليا بصعوبة في ثمن النهائي، ثم تغلب بسهولة شديدة على أوكرانيا في ربع النهائي، ثم تمكّن ليبي وبحنكة القائد من عبور عقبة ألمانيا المضيفة في نصف النهائي بالفوز على الماكينات بثنائية نظيفة بعد التمديد بهدفين دون رد.
مسيرة رائعة وإنجازات تاريخية آثر ليبي بعدها أن يخلد للراحة ويبتعد عن التدريب ومعاناته، فتنحى الرجل عن قيادة الأزوري واعتزل التدريب لفترة مانحاً الفرصة لخليفته الشاب دونادوني ليقود الفريق في أمم أوروبا عام 2008، إلا أن الأداء الباهت لأبطال العالم في اليورو ووداع البطولة من ربع النهائي وتلقي الفريق لخسارة مدوية من هولندا بثلاثة أهداف دون رد، سارعت في إنهاء تجربة دونادوني مع منتخب بلاده سريعاً فاستقال الرجل وعاد ليبي مجدداً لقيادة إيطاليا، ونجح الرجل بشكل مبدئي مع الفريق عندما قاده لتجاوز عقبة تصفيات مونديال 2010 إلا أنه سقط ضحية لعنة "الفائزين بالمونديال" مجدداً فهدم الرجل الصرح العظيم الذي كان بناه في مونديال 2006، وقدم المنتخب الإيطالي إحدى أسوأ البطولات على مر تاريخه إن لم تكن الأسوأ عندما تذيل مجموعته بالتعادل مع باراغواي 1-1 ثم مع نيوزيلندا 0-0 قبل الخسارة أمام سلوفاكيا 2-3، فودع الفريق البطولة وابتعد ليبي نهائياً هذه المرة عن الفريق.