بسم الله الرحمن الرحيم
لا يزال أعداء الإسلام يكيدون للمسلمين بشتى الوسائل والطرق وخاصة في الأمكنة والأزمنة الفاضلة كرمضان، فما أن حل هذا الشهر الكريم الذي رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في صيام نهاره وقيام ليله فقال صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال أيضا "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وفإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم " متفق عليه من حديث أبي هريرة، حتى خرج علينا أصحاب القنوات الفضائية بسلسلة من البرامج التلفزيونية التي من شأنها إغراق المتابعين لها في اللهو والسمر بلا فائدة التي نتيجته تضييع قيام الليل وقضاء النهار في النوم وتفويت الصلوات المفروضة، هكذا يقضي أغلب متابعي القنوات أوقاتهم في رمضان والله المستعان.
الأدهى والأمَر أن من تلكم البرامج التي تُعرض والناس يفطرون، برنامج خبيث ظاهره الفكاهة والترويح عن النفس وحقيقته الاستهزاء بالدين ألا وهو برنامج "الجن حاب يسكن"، هذا البرنامج احتوى على العديد من المخالفات الشرعية والتي منها:
1. اختلاط النساء بالرجال.
2. ظهور النساء متبرجات وقد أمرهن الله تعالى بالتستر والحياء وأمرنا بغض البصر منهن فقال عز وجل " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " النور - 31 .
3. الاستهزاء بأمور الدين التي منها: دخول الجن في الإنس، الرقية، الجلباب.
- أما دخول الجن في الإنس فهو أمر شرعي ثابت لا يجوز للمسلم أن يجعل منه أمرا يضحك به الناس لأنه بفعله هذا إنما يستهزئ بتعاليم ديننا الحنيف فليس الأمر مجرد دعابة وفكاهة كما يقولون.
من الأدلة على مس الجن للإنس قوله تعالى " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "، قال ابن كثير عند تفسيرها: وفي الآية دليل على فساد قول من قال : إن الصرع لا يكون من جهة الجن ، وزعم أنه من فعل الطبائع ، وقال : إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان ، وليس بصحيح ، وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس . اهـ
وأخرج الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".
وغيرها من الأدلة الدالة على هذا الأمر ولم ينكر المس إلا طوائف من أهل الضلال كالمعتزلة ومن نحا نحوهم .
- وأما الرقية فهي أيضا ثابتة بأدلة شرعية صحيحة فلا يجوز أن تجعل أمرا يُضحك الناس أو يُسليهم لأنها من الدين وكما قال تعالى "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
قال الشوكاني في تفسيرها :
الشعائر جمع الشعيرة ، وهي كل شيء فيه لله تعالى شعار، وقال عقبها: فشعائر الله أعلام دينه. اهـ
وقال ابن كثير:
شعائر الله: أوامره.
- وأما عن دليل تحريم الاستهزاء بأمور الدين فقوله تعالى "وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ"
وسبب نزول هذه الآية له قصة أخرجها ابن جرير في التفسير قال :
حدثنا علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا الليث قال، حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم: أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقُرَّائنا هؤلاء أرغبُنا بطونًا وأكذبُنا ألسنةً، وأجبُننا عند اللقاء ! فقال له عوف: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه. قال زيد قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقًا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبُهُ الحجارة، يقول:(إنما كنا نخوض ونلعب) ! فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم:(أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن)؟ ما يزيده.
قال العلامة المحدث أحمد شاكر: وهذا إسناد صحيح.
فإنك ترى أخي الكريم أن هذا المنافق لم يزد على أن استهزأ بقُراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك نزل فيه قرآن يتلى وحكم الله ورسوله عليه بالكفر لمجرد هذا! فما بالك بمن يستهزء بالقرآن كسورة المسد مثلا أو كمن يستهزء بالجلباب ويسميه بأقبح الأسماء مع أنه ذكر في القرآن الكريم أو كمن يستهزء بالصحابة رضوان الله عليهم أو غير ذلك.
فاحذر أخي المسلم من هذه المزالق فإن هذا الباب خطير و عواقبه وخيمة.
4.استعمال ذلكم الراقي الخبيث طريقة السحرة في ادعائه الرقية:
فإن ذلكم الراقي ولو تظاهر بالزي الإسلامي الذي هو القميص والغترة وشيء من اللحية إلا أنه وفي أثناء تهريجه وتمثيله دور الراقي الشرعي يستعمل طريقة السحرة والكهان في إخرج الجان فهو أولا يُقر أنه ممن له علاقة بالجن وأنهم يخبرنه عن أمور السحر والمسحورين وكما هو معلوم لمن له أدنى علم بهذا أن هذا لا يكون إلا لكاهن كفر بالله تعالى حتى يخضع له الجن، فالجن يخضعون للكهنة والسحرة لكن بشرط الكفر بالله كما قال تعالى "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" ، وكلما كان الكفر أكبر كلما كان خضوعهم أكثر.
أمر آخر وهو أنه حين يبدأ في الرقية المزعومة فإنه يضع يده على المريض الذي قد يكون امرأة وهذا مخالف للشرع فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في قوله " لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"، فلا يحل للرجل أن يمس امرأة لا تحل له.
أمر ثالث وهو أنه حين يشرع في رقيته يستعين بجني فيقول "يا أخضر أخبرني ..." فهنا ينادي أحد أعوانه من شياطين الجن كي يبيّن له أمر المريض وهذا لا علاقة له بالرقية بتاتا، فالرقية هي مجرد قراءة القرآن على المريض لا غير، أما هذا فهو استعانة بالجن وهي محرمة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
هل تجوز الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر ، وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين، والبناء على دعواه ؟
الجواب : لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها لأن الإستعانة بالجن شرك . قال الله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} ، وقال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعاً يمعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم} ومعنى الإستمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعانوا بهم والجن خدموهم بما يريدون أحضروا لهم ما يطلبون ، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم . اهـ
في الختام أود أن أشجع إخواني على ترك مشاهدة هذا البرنامج الخبيث الذي حقيقته استهزاء بدين الله عز وجل وغيره من البرامج التي من شأنها صرف المسلم عما هو أهم كقراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه وتعلم ما أوجب الله عليه من أمور دينه فإن العمر قصير والمرء محاسب عن وقته فيما أمضاه وكما قال صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
وهنا لفتة وهي هل رأينا في يوم من الأيام برنامجا فكاهيا أصحابه يهود أو نصارى يضحكون الناس فيه بأمور دينهم كالكنيسة أو رجال دينهم أو غيرها، فهذه الأمور يستحي من فعلها الكفار فلماذا نتجرأ نحن ونجعل ديننا وشعائره أمور نسلي بها أنفسنا و نضحك بها غيرنا!
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجميعين، والحمد لله رب العالمين