بسم الله الرحمن الرحيم
لحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحياء :
كلٌ منا إذا شعر أنه مراقب كيف يتصرف؟ بانضباطٍ شديد، إذا شعر أن هاتفه مراقب كيف يتحدث في الهاتف؟ بانضباطٍ مذهل، الإنسان حينما يشعر أن إنساناً من بني جلدته لكنه أقوى منه يراقبه لاشك أنه ينضبط، فكيف إذا علم أن خالق السموات والأرض يراقبه، الله عز وجل يقول:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
[ سورة الشعراء ]
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾
[ سورة الشعراء ]
يراك في فراشك، يراك في بيتك، يراك مع أخوانك، يراك في بيعك وشرائك، يراك في علاقاتك، يراك في سفرك وفي حضرك، يراك في كل شؤونك،
﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾.
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾
[ سورة العلق ]
أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه، شعور المؤمن أن الله معه شعور في أعلى مستويات الإيمان.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
[ سورة الحديد الآية : 4 ]
هو معكم بعلمه، ما من حركةٍ، ولا من سكنةٍ، ولا من كلمةٍ، ولا من توهمٍ، ولا من نظرةٍ إلا يعلمها، لا تخفى عليه خافية
على الإنسان أن يراعي الحياء أمام الله عز وجل :
إنسان من بني جلدتك لكنه أقوى منك إذا كان يراقبك تنضبط أشد الانضباط، أحياناً تبتعد عن الشبهات، تبتعد عن كلمة تؤول على طريقتين، تختار كلمة لا تؤول لأنك مراقب، فكيف إذا كان خالق السموات والأرض؟ من بيده شؤونك، من بيده صحتك، من بيده مرضك، من بيده رزقك، من بيده سعادتك، من بيده أن يعطيك أو أن يمنع، أو أن يرفع أو أن يخفض، أو أن يعز أو أن يذل؟ إذا كان هذا الخالق العظيم
﴿ يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾
﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
ماذا ينبغي أن تكون حالك معه؟ حال الحياء.
الآن تذهب إلى بلاد الغرب، تدخل إلى محل تجاري كبير، فيه بضائع بالمليارات، لكن هذا المحل مراقب تلفزيونياً
انضباط مذهل، يقول لك: الطريق مراقب فيه رادار، كانت السعة مئة وعشرين الآن ستين، هذه نماذج من حياتنا اليومية، إنسان أقوى منك واضع جهاز تصوير في الطريق، وإذا ضبطك بسرعة تفوق السرعة المحددة ستدفع عشرة آلاف، وهناك مخالفات بمئات الألوف، ألا يستحي الإنسان أن ينضبط مع إنسان من بني جلدته لكنه أقوى منه ولا ينضبط مع خالق السموات والأرض؟.
أيها الأخوة، مثل آخر: لو أنه ضيفاً من أقربائك رفيع المستوى، من أوجه وجهاء البلد، زارك في العيد، ماذا تفعل؟ ترتدي أجمل ثيابك، تضبط كلامك، تجلس جلسة مؤدبة مع إنسان، لا يمكن أن تقابل إنساناً كبيراً وفي يدك سُبحة تعبث بها، مستحيل! أنت دون أن تشعر مع إنسان قوي أو كبير، علماً، أو قوةً، أو مالاً، تجلس أمامه بأدب، تتحدث بكلام منضبط، لا تقول كلمةً لا يليق بك أن تقولها، فأنت راقب نفسك مع إنسان من بني جلدتك، أليس الله سبحانه وتعالى أحق أن تراعي الحياء أمامه؟
لذلك هناك آية كريمة يمكن أن تضاف إلى هذه الآيات:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
[ سورة غافر ]
المؤمن يستحيي أن يعصي الله فالحياء يحمله على الاستقامة :
عن أبي السوار العدوي قال: سمعت عمران بن حصينٍ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( الحياءُ لا يَأْتي إلا بِخَيْرٍ، فقال بُشَيْرُ بنُ كَعْبٍ: إنَّهُ مَكتوبٌ في الْحِكْمَةِ: إنَّ منه وَقارا، ومنه سَكينة ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين ]
الذي يستحيي عنده وقار، والذي يستحيي يتنزل على قلبه السكينة، الذي يستحيي له مهابة، له وقار، والذي يستحيي تتنزل على قلبه السكينة مكافأةً من الله له، وقار أمام الناس وسكينة في قلبه، أي أبسط مفهومات الحياء أن المؤمن يستحيي أن يعصي الله، إذاً الحياء حمله على الاستقامة، المؤمن يستحيي أن يغتاب إنساناً حمله حياءه على الاستقامة.
الدين كله حياء :
قال: يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، كلمة عظام لا تثير شهوةً، أما أي كلمة أخرى فتثير شهوة، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك،
﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾
إذاً القرآن الكريم.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾
[ سورة المؤمنون ]
انظر
﴿ وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾
دخل في هذه الكلمة كل أنواع الانحراف الجنسي،
﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾
القرآن الكريم، والنبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم يعلمنا الحياء بالتعبير، أما أن تصف الأشياء بأسمائها الفاضحة باسم لا حياء في الدين، فلا، الدين كله حياء.
والحمد لله رب العالمين