الكتاب : دروس للشيخ إبراهيم الدويش
المؤلف : إبراهيم بن عبد الله الدويش
الراحمون يرحمهم الرحمن
ما زلت أفتش عن ذلك الإنسان صاحب القلب الرحيم، الذي يمسح على رأس اليتيم ويطعم المسكين، وتدمع عينه لصرخات المكلومين، ويخفق قلبه لأنين المتوجعين، ويلهج لسانه بالدعاء لرب العالمين أن ينصر المستضعفين ويهلك المعتدين.
أيها المسلمون! إنما يرحم الله من عباده الرحماء: (أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا) كما في قضاء الحوائج لـ ابن أبي الدنيا وإسناده حسن.
(ومرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله! لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم؛ فأدخل الجنة) كما في صحيح مسلم.
أُدخِل الجنة؛ لأنه أبعد غصن شجرة كانت في طريق المسلمين، فما رأيك بمن يحمل همّ المسلمين ويتحسس أحوال المساكين؟! (وخير الناس أنفعهم للناس) كما في الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب وهو حسن.
(الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار) كما في صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهم.
هذه أصول في المنهج الشرعي لك أيها المسلم! فأنت رحيم أنت رحيم تصنع السرور للآخرين تنفع الناس، وتطعمهم الطعام، وتسعى على الأرملة والمسكين، وتمسح رأس اليتيم، تنفس عن مسلم، وتيسر على معسر، وتفرج الكرب.
هذا هو ديننا، وهذا هو إسلامنا، وهذه هي عقيدتنا، ديننا دين الشفقة والرحمة والعطف والإحسان رقة في القلوب، وشفافية في النفوس، ليس مع الإنسان فقط، بل مع الحيوان أيضاً! فإن بغيا من بني إسرائيل غفر لها؛ لأنها سقت كلبا كاد يقتله العطش، وإن امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
أيها المحب! هذا في كلب وهرة؛ فما ظنك بالإنسان الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟! أيها الإنسان! لن تكون ذلك الإنسان الذي يفتش عنه مئات الآلاف من الثكالى واليتامى إلا بهذا المنهج وهذه العقيدة، فأحيي قلبك وامتثل شرعك.
أيها المسلم! في رمضان تجوع وتعطش، والصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، فهل عرفت الجوع كيف يقع؟! وهل شعرت بألم الجوع إذا لذع؟! واسمع لهذه المختارات للمنفلوطي من كتاب النظرات، قال: لو أعطى الغني الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سقما ولا ألما.
وقال: إن الرحمة كلمة صغيرة، ولكن بين لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظرها والشمس في حقيقتها.
وقال: لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا عار ولا مغبون ولا مهضوم.
وقال: ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون أو مفئود، فنبتسم سرورا ببكائك واغتباطا بدموعك؛ لأن الدموع التي تتحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطور من نور تسجل لك في تلك الصحيفة البيضاء أنك إنسان.
انتهى كلامه.
أيها المسلم! مراد الله من الناس رقة قلوبهم، رقة قلوبهم وأكرم بها من نعمة، فرقة القلب وغزارة الدمع من أسباب السعادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) كما في صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أبي هريرة.
فأين رقة القلب فيك وغزارة الدمع في عينيك مما يجري للمسلمين الآن؟! إذاً: فأول ما يطالبك به الملايين من المسلمين المجروحين في كل مكان: أن تحمل همهم في قلبك أن تشعر بشعورهم، فتحس بجوعهم وهم جوعى، وبفقرهم وهم حفاة عراة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
حينما يفتقد الطفل الأمان
وأنت تنظر إلى أطفالك تذكّر الأطفال في البوسنة والهرسك، ومشردي بورما والصومال، فكم من يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية، ويلتمس حنان الأم الرءوم، ويرنو إلى من يمسح رأسه ويخفف بؤسه.
وأنتِ مع زوجكِ تهنئين بالعيش والراحة، تذكري كم من أرملة توالت عليها المحن، وفقدت عشيرها بعد أن كانت تحت كنف زوج عطوف.
واسمع لهذا الشاعر المرهف وهو يخاطب طفلته الصغيرة، فيقول:
آه! لو أبصرت طفلا في ربوع القدس يشكو غربته وصغيرا في ربى كابول، يلقي نظرته ويداري دمعته لو رأيت المدفع الثرثار يلقي خطبته
آه لو أبصرت طفلا في حماة وحلبجة ودعايات عن التحرير فجة!
آه لو أبصرت أطفال الفلبين الضحايا وجراحا في أريتريا وصيحات صبايا
كيف لو أبصرت طفلًا حين يرميه الجبان برصاص ودخان
كيف لو أبصرت طفلاً لم يذق منذ رأى دنياه طعما للحنان لم يذق إلا الأسى المر ولم يسمع سوى صوت الطعان
يا ابنتي قولي معي: أيها العالم! سحقا حينما تغدو حياة الناس ميدان رهان
حينما يفتقد الطفل الأمان
تذكر وأنت تصلي في المسجد بأمن وأمان، وراحة وسلام، حال أولئك المصلين وقد فرقهم صاروخ يهودي، أو هندوسي أو روسي أو صربي، فأصبح المسجد بركاً من الدماء.